تأثير ملوحة المياه والتربة على الحيوانات المزرعية

بالرغم من فوائد الصوديوم والكلور لأجسام الحيوان والإنسان، يواجه قطاع الإنتاج الحيواني العديد من التحديات، والتي من أهمها ظاهرة التغير المناخي وندرة موارد المياه العذبة خاصة في الأراضي الصحراوية المستصلحة حديثاً، والتي غالباً ما تزيد فيها نسبة الملوحة الموجودة في آباراها. في هذا المقال نتناول أحد أهم المشاكل التي قد تواجه المزارعين في تلك المناطق المستصلحة حديثاً أو المناطق التي زادت بها نسبة الملوحة نتيجة العديد من العوامل. كما نستعرض أهم الآثار التي قد تتعرض لها الحيوانات المزرعية نتيجة شرب مياه ذات معدل ملوحة عالي. بالإضافة إلى تقديم نصائح التي يمكن من خلالها تقليل مشكلة الملوحة على قطاع الإنتاج الحيواني.

أهمية أملاح الكلور والصوديوم وآلية تنظيمهم داخل الجسم

تمثل عناصر الصوديوم والكلور أحد المصادر الهامة لتنظيم الضغط الأسموذي للجسم واتزان السوائل وحركة القلب، وتوصيل وانتقال النبضات العصبية. ويتم التحكم في أيونات الكلور والصوديوم في الجسم بشكل أساسي من خلال نظام في الجسم يسمى بالرنين-أنجيوتنسين والذي من خلاله يمكن التحكم في الأملاح والإتزان المائي من خلال هرمون الألدوستيرون المحفز لبقاء الصوديوم والأرجينين فاسوبريسين المتحكم في إعادة امتصاص الماء من الأنيبيبات الكلوية. ولذلك فإن الزيادة من الأملاح الداخلة إلى الجسم يمكن التخلص منها بشكل أساسي من خلال الكليتين.

الآثار التي قد تتعرض لها الحيوانات نتيجة شرب مياه ذات ملوحة عالية

يعد الضغط الملحي تحديا مركباً، حيث يمثل ضغط فسيولوجي على الحيوان بطريقة مباشرة نتيجة شرب الحيوان لمياه تزيد بها نسبة الأملاح، بالإضافة إلى التأثير الغير مباشر على الحيوان نتيجة التأثير الكمي والنوعي للمياه المالحة على نباتات المرعى. وتزيد المشكلة تعقيداً مع ارتفاع تكلفة استخراج الماء من الآبار بالإضافة لارتفاع تكلفتها في حالة معالجة ملوحة المياه. وقد يصاحب زيادة التعرض للضغط الملحي إلى نقص الأكسجين ويظهر هذا واضحا في عضيات الميتوكوندريا (مركز إنتاج الطاقة في الخلية)، سواء على الحالة الصحية العامة للحيوان أو معدل نموه بشكل سلبي وكذلك على الشهية واستهلاكه للغذاء والماء، مما يؤدي إلى الهزال والخمول وقد ينعكس أيضا بالتأثير العدواني للحيوان وكذلك التأثير على الأداء التناسلي وخصائص جودة اللحم بعد الذبح، تبعاً لدرجات الملوحة ونوعيتها أو السلالات الحيوانية التي يمكن أن تتحمل مستويات الملوحة الناتجة من ارتفاع أملاح كلوريد الصوديوم وأهم النصائح التي يمكن من خلالها تقليل مشكلة الملوحة على قطاع الإنتاج الحيواني عملها سواء بتربية أنواع وسلالات حيوانية متحملة للملوحة أو بتخفيف ملوحة المياه .
فشرب المياه المالحة يزيد من الشعور بالعطش وبالتالي يزيد من شرب المياه ومعدل التبول للتخلص من الأملاح الزائدة من خلال الكلية. كما قد تتوقف بعض الحيوانات عن الشرب في حالة ارتفاع الملوحة لكي تتجنب التسمم الذي قد يحدث لها. ونتيجة لهذا فإن استهلاك الماء المالح قد يؤدي إلى نقص الوزن والشهية واستهلاك الغذاء. إلا أن الأملاح في صورتها المعتدلة تحسن من مستوى الغذاء المأكول ووزن الجسم وصفات اللحم في الذبيحة. وبناء على ما سبق فإن كم ونوعية الأملاح الموجودة بالماء تحدد ما إذا كان الحيوان قابل لتحمل الضغط الملحي من عدمه.
وتختلف قدرة الجسم لمقاومة الضغط الملحي حسب طريقة دخول الأملاح. فقد ثبت أن مقاومة الضغط الملحي الموجود في الماء أقل كثيراً من قدرة مقاومة نفس الجسم على مقاومة الضغط الملحي الداخل عن طريق الغذاء المأكول.
ولكي يتم إنجاز لمشروعات الإنتاج الحيواني بنجاح منشود في المناطق التي تزيد فيها نسبة الملوحة ننوه إلى ما يلي:
• الاتجاه في الأراضي المستصلحة إلى زراعة بعض النباتات المتحملة للملوحة والتي قد تستخدم كأعلاف للحيوانات سواء في صورتها الخام مثل حشيشة السودان والدخن وحشيشة الفيل والبرسيم الحجازي وحشيشة الراي والكينوا. أو قد تستخدم بعض النباتات التي ثبتت فاعليها في تغذية الحيوان نظراً لارتفاع محتواها من البروتين بعد استخلاص الزيت منها والمواد التي قد تؤثر على شهية الحيوان مثل نبات الجوجوبا الذي تجود زراعته في الأراضي الملحية، وبعد عصر بذورة يتم استخراج مادة السيموندسين simmondsin التي تقلل من وزن الحيون نتيجة أنها مادة تقلل من الشهية. أيضا الاستفادة من مواد العلف المالئة التي يتم إنتاجها في هذه المناطق وتحسين قيمتها الغذائية وتعظيم الاستفادة منها في تغذية الحيوان. والذي قد نفرد لها مقالة أكثر تفصيلا عن مميزات بعض النباتات الملحية واستراتيجيات رفع كفاءة المواد المالئة واستخدامها كمواد العلف في المناطق الملحية.
• ثبت علمياً أن الحيوانات المجترة أكثر تحملا للمياه المالحة عن باقي الثديات. وتعتبر الأغنام والماعز والإبل من أكثر الحيوانات قدرة على التأقلم لشرب المياه المالحة بما فيها مياه البحر.
• المجترات بشكل عام عالية الحساسية للضغوط المفاجئة وخاصة إذا كان الضغط يتعلق بالقناة الهضمية للحيوان. وبذلك فإن التدريج لتكييف الحيوانات من الأمور الواجبة لنجاح رعايتها على المياه ذات مستوى الملوحة المرتفع.
• فضلاً عن الاختلافات الوراثية بين السلالات أو حتى داخل السلالة الواحدة، بعض الأغنام لها جينات ينشط بها تعبير تحمل الضغط الأسموذي مثل جين PLK3 الموجود في الأغنام البرقي. وبالتالي نقترح التحسين الوراثي من خلال الخلط أو الانتخاب للحيوانات ذوات القدرة على التكيف لشرب مياه ذات ملوحة عالية.
• كما يتأثر النوع الواحد من الحيوان أو حتى السلالات باختلاف العمر والحالة الفسيولوجية أو حتى العوامل البيئية المحيطة لدرجة تحمل شرب المياه المالحة. الحيوانات الكبيرة أكثر تحملا للملوحة من تلك الصغيرة. كما أن هناك علاقة لجنس الحيوان مع تحمله لدرجة الملوحة.
• وتشير الدراسات الحديثة أن انجذاب الحيوان للملح يعتمد بشكل كبير على نسبة وجود الصوديوم في الجسم. كما أن الماعز البرية التي ترعى في الصحارى أو على الشواطئ وجد أن نخاع غدتها الجار كلوية أسمك من تلك الماعز المستأنسة التي تربى بشكل مزرعي، وهذا الأمر يجعل من تلك الماعز البرية لها القدرة على التأقلم أكثر للملوحة، مما يجعلها أكثر قابلية لأن يكون لديها كلية أكثر كفاءة لإعادة امتصاص الماء، وتركيز البول، وتقليل الماء المفقود من الجسم أثناء فترات الجفاف.
ونستنتج مما سبق أنه يمكن التغلب النسبي على مشكلة ارتفاع تركيز الملوحة الناجمة عن زيادة كلوريد الصوديوم من خلال نشر ثقافة النباتات العلفية الملحية واستغلال السلالات والأنواع الحيوانية المناسبة والتدريج في أقلمتها على شرب المياه المالحة وكذلك خلط المياه المالحة مع عذبة أخرى.

المراجع / المصادر

  • Alhaddad, F. A., Abu-Dieyeh, M. H., ElAzazi, E.-S. M., & Ahmed, T. A. (2021). Salt tolerance of selected halophytes at the two initial growth stages for future management options. Scientific Reports, 11(1), 10194. doi:10.1038/s41598-021-89462-3
  • Badri, M., & Ludidi, N. (2020). Halophytes as a resource for livestock in Africa: present status and prospects. In M.-N. Grigore (Ed.), Handbook of Halophytes: From Molecules to Ecosystems towards Biosaline Agriculture (pp. 1-17). Cham: Springer International Publishing.
  • Berihulay, H., Abied, A., He, X., Jiang, L., & Ma, Y. (2019). Adaptation mechanisms of small ruminants to environmental heat stress. Animals (Basel), 9(3), 75. doi:10.3390/ani9030075
  • Boozer, C. N., & Herron, A. J. (2006). Simmondsin for weight loss in rats. International Journal of Obesity, 30(7), 1143-1148. doi:10.1038/sj.ijo.0803251
  • Chaudhary, V., & Tripathi, R. S. (2017). Feeding deterrence effects of defatted jojoba (Simmondisa chinensis) meal against Indian Gerbil, Tatera indica (Hardwicke). Proceedings of the National Academy of Sciences, India Section B: Biological Sciences, 87(3), 663-670. doi:10.1007/s40011-015-0633-7
  • Karrar, O. O. (2021). Overview of Halophytes in Sudan and the Horn of Africa. In M.-N. Grigore (Ed.), Handbook of Halophytes: From Molecules to Ecosystems towards Biosaline Agriculture (pp. 821-835). Cham: Springer International Publishing.
  • Kim, E. S., Elbeltagy, A. R., Aboul-Naga, A. M., Rischkowsky, B., Sayre, B., Mwacharo, J. M., & Rothschild, M. F. (2016). Multiple genomic signatures of selection in goats and sheep indigenous to a hot arid environment. Heredity, 116(3), 255-264. doi:10.1038/hdy.2015.94
  • Runa, R. A., Brinkmann, L., Gerken, M., & Riek, A. (2019). Adaptation capacity of Boer goats to saline drinking water. Animal, 13(10), 2268-2276. doi:10.1017/S175173111900076
  • Sadeghi, M. H., Sari, M., Mohammad abadi, T., & Rezai, M. (2020). Determination of nutritional value, gas production and degradability of Salicornia europaea, Suaeda aegyptiaca and Halocnemum strobilaceum in sheep. Journal of Animal Environment, 12(3), 21-32. doi:10.22034/aej.2020.110147
  • Sokolova, I. (2018). Mitochondrial adaptations to variable environments and their role in animals’ stress tolerance. Integrative and Comparative Biology, 58(3), 519-531. doi:10.1093/icb/icy017
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

مساء الخير كنت حابب أعرف لو بير مياه نسبة الملوحة ١٧٠٠من المليون ..مدى تاسيرها على عجول التسمين وهل تنصح بالتربية فى هذة البيئة